الأحد، 30 ديسمبر 2012

مقدمة :

 بإسمك الأعظم اللهم وبكل حمدك :
يقول الله سبحانه للرسول صلى الله عليه وسلم : 
 (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لايعلمون)28 سبأ
كما قال له أيضا : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء 107.
ويقول صلوات الله عليه : 
( ...بعث كل نبي لقومه خاصة وبعثت للناس كافة )كما في الصحيحين مرفوعا عن جابر
مما يضفي على الإسلام صفة لم تكتب لدين قبله، وهي صفة : (العالمية)  بمعنى :
 أن رسالته رسالة تهم كل العوالم ، ورسالة لكل الإنسانية .. 
بل وإن كانت رسالته رسالة تكليف للإنس والجن ، فهي رسالة تشريف حتى للملائكة  ..
 وما دام الإسلام هو خاتم الديانات، فهو بالتالي الناسخ والجامع لكل أسرارها ، وبذلك اكتملت فيه كل غايات الله من التدين الكامل ، كما إكتملت في شخص محمد صلى الله عليه وسلم أسمى صفات الإنسانية ، إذ فضله الله على الناس كافة، بل وعلى العالمين ..
فلا كمال يضاهي إذن كمال الإنسان إن كمل ...
ولكن ولا بهيمية توازيه إن رذل.
إذ وضعه الله تعالى برزخا بين عالمين جد متناقضين :
عالم سامي : يعلو به نحو كل الكماليات والمعنويات والماديات الخالدة والعلوية المحثة على توازنه في وعلى كل المستويات....
وعالم دنيء : يدعوه للهث وراء شهواته وغرائزه وضرورياته الدنيوية بإنقطاع تام عن أبديته، بل وعن كل فكره السامي وكل معنويات قلبه، ومعالي روحه .
فإن سمى الإنسان وركز على جانبه العلوي ( فكره وقلبه وروحه) علا، بل وضاهى الملائكة  عليهم السلام ، كما جاء عنه عليه كل الصلاة وكل السلام في حديث قدسي :(الشاب التائب خير عندي من بعض ملائكتي ) والحديث حسن غريب.
وإن رذل وركز على جانبه السفلي( بطنه وفرجه وجاهه) تدنى لحد البهيمية ، بل وإنحنى من كل إنسانيته للبشرية البهيمية كما قال تعالى : 
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) الفرقان 44.
وربما إنزلق للشيطنة : فاشتركت فيه أخلاق البهائم والشياطين ..
ليكون أخس وأشر وأحط مخلوق مهما ظن بأنه على شيء، ومهما علت علومه في الدنيا كما قال الله تعالى عن كل الكافرين والضالين:( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهو عن الآخرة هم غافلون)الروم 7.
وكما قال سبحانه عن المنافقين :( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألذ الخصام ..) البقرة 204.. 
صدق الله العظيم .
فكيف يبقى الإنسان إنسانا؟
 بل ومن هو الإنسان إسلاميا ؟:

قيمة الإنسان في الإسلام :


1
لقد رقى الإسلام بالإنسان رقيا لم يحلم به حتى الأنبياء عليهم السلام ، إذ  قال الله سبحانه وتعالى عن عباده المقربين : (أعددت لعبادي الصالحين ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهم.
إذ لا يعلم الأسرار الكاملة ،والغايات الجليلة ، التي أرادها الله لهذا الإنسان في آزاله وآباده إلا هو سبحانه العليم  القدير الكامل ، سبحانه ما أكرمه...
2
لكن  هذا الإنسان المكرم ( ولقد كرمنا بني آدم)الإسراء 70..
 ورغم معرفته البليغة بخفايا الطبيعة، وعلمه بالعديد من علومها المادية، بل وبكل تفاصيل دنيوياتنا ، لايزال يجهل حقيقته، أو على الأصح قيمته عند الله تعالى ..
 القيمة التي لا يمكن معرفتها إلا باكتشاف الإنسان لطاقاته الفكرية والقلبية والروحية أولا....:
3
فالإنسان متى فكر، ومتى شخص نفسه بحكمة، وصل إلى ما خفي عن غيره من آيات الله  فيه كما أمر بذلك سبحانه : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟ ) الذاريات 21:
4
فلقد أكرم الله الإنسان بكثير من المميزات والمزايا التي لم يهبها لمخلوق غيره ، والتي نذكر منها :
ــ أن نفخ فيه من روحه :( ونفخت فيه من روحي )الحجر29.. والروح من عالم الأمر ( قل الروح من أمر ربي )الإسراء 85، لا من ذاته سبحانه وتعالى عنا وعلى كل العالمين ..
ــ أن أسجد له ملائكته :( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا )البقرة34
ــ أن جعله خليفة له في الأرض :( إني جاعل في الأرض خليفة )البقرة 30
ــ أن علمه كل الأسماء ، مما يعني تعليمه كل علوم الأشياء تمكينا له في عالم الملك وعوالم الملكوت :(وعلم آدم الأسماء كلها )البقرة31
ــ أن جعل له سمعا وبصرا :( فجعلناه سميعا بصيرا)الإنسان2
ــ أن خلقه كامل مكتملا : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )التين4
ــ أن أودع فيه كل الخير  : ( وإنه لحب الخير لشديد )العاديات8
ــ أن خصه مع ملائكته الكرام برسوليته دون الجن :(الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس )الحج75
ــ أن فضله على العديد من المخلوقات  :( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء70
ــ أن أحدثه وخلقه بعد عدم:(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) الإنسان1
ــ أن عادى من عاداه : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء )الممتحنة 1
ــ أن خصه بكل النعم :( وآتاكم من كل ما سألتموه )إبراهيم34
وتتتالى نعم الله الظاهرة والباطنة علينا منه سبحانه الكريم السبوح المتعال..
5
 إلا أن الإنسان كما قال تعالى : ( لظلوم كفار ) إبراهيم34.
ظلوم كفاررغم كل نعم الله المتهاطلة عليه ورغم كل تكريمه له وكل كراماته : (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها)النحل 18...
فتكريم الله عز وجل للإنسان كامل كما تملي الآية الكريمة :
( ولقد كرمنا بني آدم )الإسراء70
بل ولقد يسر لنا الإرتباط الكامل بذاته سبحانه ، وبكل سلاسة :
( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )البقرة 286
ولم يأمرنا سبحانه إلا بالشهادة بوحدانيته، والإعتراف بربوبيته، للحفاظ على فطرتنا سليمة : نورانية الفكر.. طيبة النفس.. طاهرة القلب.. شفافة الروح ..سليمة الجسد ...
بل  ولم يطالبنا سبحانه إلا بحفظ أنفسنا من عدونا اللذود إبليس، ومن كل ما قد يضرنا في الدنيا قبل الآخرة : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فاطر6.
والذي يضر في الدنيا ويشقي فيها، يضر في الآخرة أيضا ويشقي..
بل ولم يدعنا سبحانه  وتعالى سوى لمنافعنا ، وإلى سعادات وخيرات الدنيا والأبد : 
لكن الغرور أشقى ولا يزال يشقي الإنسانية : (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ربك؟ )الإنفطار8.7.6.
6
ورغم كل هذا الغرور، وكل هذا التدني والجحود  فإنه سبحانه وتعالى - ومن أجل خطايانا الغزيرة - سمى نفسه سبحانه الرحيم الغفار الغفور الحليم العفو التواب سبحانه ما أصبره ؟ :  (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم )الحجر49
فرحمنا سبحانه وتعالى ، ستارا بحلمه الكامل ، وبعفوه على كل المسلمين التائبين :
(كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون)رواه الترمدي وإبن ماجة
ليهب لنا وعلى الدوام كل فرص الإنابة والرجوع له ..
بل وليوفر لنا كل شروطها  وأساليبها، وكل فرائض ونوافل وكمالات الفلاح  والسعادة .
ولحد تعذيبه لمن لم يرد أن يكون سعيدا بها في الدنيا قبل الآخرة .

من مميزات الإنسان إسلاميا :

1
وبهذا يتضح - وعكس كل نظريات الإلحاد الهزيلة عقلا ومنطقا ، والتي تسيء للإنسان كالداروينية وغيرها من النظريات الهجينة ، أو من الديانات المحرفة والوضعية  يتضح :
بأن الإنسان مخلوق سماوي يسكن الأرض بعد خطيئة الأب آدم والأم حواء عليهما السلام .. 
إذ هو مخلوق سماوي من تراب الأرض ... 
وليس حفيدا للقردة أو الأسماك كما تقزمنا وتريد أن تمسخنا النظريات الضالة والمضلة ، والتي لاتفرق بين الإنسان وسائر الحيوانات الغابوية  .........
فالإنسان إن آمن بربه من أكرم خلق الله.. 
وإن كفر فهو من أخس الخلق مهما بدا بريقه الدنيوي :
(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم )المنافقون 4
(إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريئة إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريئة)البينة 6،7.
2
بل وللإسلام رؤيا تكريمية للإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أوعرقه أو نسبه أو لغته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
(..لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى )كما روى الإمام أحمد عن أبي النضرة.
فتفاضل الناس في الإسلام له ميزان واحد  :
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات 13..
والتقوى هي الإلتزام الكامل بكل الفضائل والآداب الإسلامية التي تطهر الإنسان قلبا وقالبا وجسدا وروحا، وتقيه من كل الشرور، ومن كل موجبات التعاسة والعذاب دنيا وآخرة.
ودون هاته المزية فالمساواة بين جميع  الناس مبدأ ثابت في الإسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(الناس كأسنان المشط)وهو حديث مقبول رغم ضعفه عند الألباني
3
فعكس كل المذاهب العنصرية - وبما في ذلك العدو الألذ للإسلام والمتمثل في اليهود - الذين يميزون جنسهم عرقيا وبيولوجيا عن كل الناس ، و لحد الحماقة في إدعائهم بنوتهم الله سبحانه وتعالى السبوح القدوس سبحانه وتعالى عن كل أباطيلهم ..
المتعالي سبحانه عنهم ، وعلى كل العالمين علوا كبيرا..
بل ولقد غلت اليهود حتى نزعوا صفة الإنسانية عما سوى شعبهم المختار كما يفترون ..  
4
فالإنسان في الإسلام إذن :
ــ له أصل واحد هو الأب  آدم ثم الأم حواء عليهما السلام  عبر تجانسهما ثم تجانس من تلاهما ، فآدم أب البشرية جمعاء وأول نبي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
(الناس لآدم وآدم من تراب ) حسنه الألباني عن أبي داوود  
ولهذا  ينادي الإسلام بالأخوة الإنسانية وبالمساواة بين الناس وبطهارة أصلنا الآدمي.
ــ وله وظيفة عظمى ، ولم يخلقه الله سدى :
 ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون )المومنون 115
 ــ ولقد خلق لعبادة الله وعمران الدنيا بكل حلال  :
 ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )الطور 56
ــ كما له حياة خالدة في الآخرة ، وله بعث بعد الموت وسيحاسب على كل أعماله : 
( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لوكانوا يعلمون )العنكبوت 64
ــ  وللعالم الذي يعيش فيه انذثار وقيامة، يبعث الله فيها الأموات ويبدل الله بعدها كل الأكوان: 
( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات  )إبراهيم 48
ولهذا يستنكر الإسلام كل نظرية توحي بعكس هذا ..
5
كما يستنكر ديننا الحنيف كل ما يحط من قيمتنا كعبيد لهذا الإله العظيم الأعظم سبحانه.
رافضا لكل النظريات التي تغلو بالإنسان لحد تفضيله على كل الملائكة ، ولكل ما ينقص من علويته لحد نعته بالحيوانية دون تميز ولا تمييز .
فقيمة الإنسان إذن في الإسلام ليست في جنسه ولا في أي من كمالات دنيانا الفانية هاته.. بل في مدى طاعته لله تعالى وتقواه ، وفي عدم نكرانه لجميل هذا الإله العظيم سبحانه الذي سخر لنا كل ما في السماوات وكل ما في الأرض .
وللفلاح في هذا التسخير جاء الإسلام كدين لكل الأنبياء أولا ..
ولهذا جاء القرآن هداية لكل الناس ، وحفظا لإنسانيتنا المهددة اليوم بكل العورات:
ولهذا كانت السنة الشريفة تربية فكرية وقلبية وروحية لك أخي في الإسلام وطهارة بدنية أولا .
فلا إسلام - بل ولا إنسانية - إلا ببناء  العقل وتزكية القلب وتصفية الروح وطهارة الجسد ما إستطعنا .. 
نحو نفس لوامة  أولا إذا ما إجتبى الله تعالى ، فنفس مطمئنة ثم نفس راضية مرضية ملهمة إن وفق الله تعالى 
وبعدها : من عرف نفسه عرف ربه...

الإسلام كمنقد لكل لإنسانية :

1
لقدجاء الإسلام في عصر كانت الإنسانية تعيش فيه كل مذلات الظلم والفساد والخرافة والشعوذة والتكبر لحد استعباد الإنسان لأخيه الإنسان .. 
وفي زمن كانت تحكم فيه الشعوب بكل أنواع الإستبداد وبكل ألوان الظلم واحتقار الغير..
 بل ولحد حكم الشعوب بالكهنة والسحرة الذين عرفوا كيف يخترقون مجالس الملوك ..
بل  وفي عصر كانت المرأة فيه تهان لحد دفنها حية  ..
وفي عصر قل فيه العلم ، وعبدت فيه الأوثان حتى صارت كعبة الله المكرمة مزبلة أوثان ..
 وفي عصر قال عنه أحمد شوقي رحمه الله عن نبينا عليه كل الصلاة وكل السلام ::
أتيت والناس فوضى لاتمر بهم
إلا على صنم قد هام في صنم
والأرض مملوءة جورا مسخرة
لكل طاغـية في الخلق محتكم
مسيطر الفرس يبغي في رعيته
وقيصرالروم من كبر أصم عم
يعـذبان عباد الــلـه في شـبه
ويـذبـحان كما ضحيـت بالغـنم
والخلق يفـتك أقواهم بأضعفـهم
كالليث بالبهم أو الحوت بالبلم
2
إذ جاء الإسلام بكل إيجاز ليعيد للإنسان إنسانيته الحقة ويعالج كل هاته الأزمات الجاهلية كما قال الفيزيائي المعروف أنشتين :
 (إن عظمة الإسلام تتركز في عوامل ثلات : أنه أحدث الأديان، وأنه لايخاصم العلم ، وأنه يستطيع أن يعالج أزمات العالم ).
  وكما قال جستاف لوبون في كتاب حضارة العرب :
 (إن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينا سمحا مثل دينهم ، هو إنصاف للحق قبل أن يكون إنصافا للمسلمين ) ..
لكننا كمسلمين لم نف بما تحمله هاته الرسالة من فضائل كالسابقين منا..
ولحد جهل حتى مرشدي بعض جماعاتنا اليوم بهاته الغايات وبهاته المطالع الإنسانية لديننا الحنيف  ... 
بل وأصبح العديد من علمائنا حائرين مرتبكين أعانهم الله :
فعقلنا الفقهي اليوم محتار وجد مرتبك، ولابد من برمجته بكل تجديد أمام كل هاته المعارف الدنيوية المتسارعة ، ليعود للواقع بكل حكمة ....
3
فالفقيه اليوم محتار، بل وعقلنا السني اليوم في أزمة ..
فكيف بالمسلم الذي لم يعد له من إسلامه إلا الإسم؟: 
كما قال أحد الحكماء : لسنا متخلفين عن الغرب بل نحن متخلفون عن القرآن.
4
فلقد أسأنا كمسلمين لديننا كما قال السيد رؤوف في بعض هاته النقط :
ــ الأمة العربية والإسلامية اليوم لم تفعل شيئا لإظهار الإسلام وإبلاغه للمحتاجين إليه في العالم ، بل كتموه وأهملوه.
ـ الإسلام ليس مسئولا عن انحطاط المسلمين بل إنحطاطهم جاء  من تركهم تعاليمه..
- التشويش والكلام المغرض عن الإسلام يصد كثيرا عن دين الله ..ويلزم أن يقوم المسلمون المخلصون ببيان وجه الحق للناس
ــ الإسلام هو الذي أخرج العالم من الظلمات وأنه أفضل دين لإنقاد البشرية جمعاء..
ــ شهادة المنصفين على ذلك واحترامهم للثقافة الإسلامية وتقديرها وإعترافهم بها .
وبهذا يكون الإسلام هو دين الحضارة الإنسانية في أرقى معانيها كما قال هاري هنكل :
 ( وجدت الإسلام يشجع على متابعة الحقيقة.. وإن صحائف التاريخ مملوءة بالحقائق التي تثبت عرقلة الديانات الأخرى للمدنية والعمران) 
5
بل ولقد لعب المسلمون دورا رئيسيا في قيام هاته الحضارة الإنسانية التي يريد أن يستبد الغرب بها ، ويتفرد بامتلاكها ، بعد أن كانت ولا زالت مبنية على الجهد الكبير الذي قام به علماء الإسلام لحد دراستهم لكل الحضارات السالفة ، وتلقين اجتهاداتهم فيها لكل الناس ، وبما في ذلك الغربيون الذين لايريدون أن تظهر هاته الحقائق تعنتا منهم وجحودا بالجميل الإسلامي ، لحد قول أحد المفكرين : 
( لقد نقح المسلمون حضارة اليونان ، وزادوا عليها ، ثم أهدوها للغرب في طابق من ذهب ).
6
وليس الإسلام عبر محمد صلوات الله عليه  فقط من ساهم في هاته الحضارة ، بل كل الأنبياء والرسل السالفين عليهم السلام قد وضعوا لبنات راسخة لبناء الحضارات الإنسانية قديما وحديثا.. 
ولحد مساهمة الأنبياء في الإقتصاد وكل علومه (يوسف عليه السلام ) وفي الفلاحة ( آدم عليه السلام)  وفي الصناعة ( داوود عليه السلام) وفي الخياطة (إدريس وداوود عليهماالسلام). وفي المعمار وفي كل الرقي المادي ( سليمان عليه السلام)...
فالإسلام دين لكل الأنبياء ولولا رسالاتهم المتتالية منذ آدم عليه السلام لنست الإنسانية حتى لغاتها..
فالأنبياء لم يبنوا فقط معنوياتنا  كما يظن البعض : بل بنوا كذلك مادياتنا :
ولولا رسالات السماء لما وصل الإنسان إلى أي تقدم : لا مادي ولا معنوي ، ولما شهدوا أية حضارة..
بل ولفقد الناس كل توازناتهم  ، ولصاروا بلهى  تتصيدهم الذئاب والوحوش كأرانب..
بل ولبقينا في عصورنا الحجرية الأولى.
7
ولهذا فإن البديل الحضاري إسلاميا ليس نابذا لكل هاته الحضارة الإنسانية القائمة حاليا، لأن المسلمين وكل الأنبياء عليهم السلام قد ساهموا فيها ماديا ومعنويا ..
وما بديلنا اليوم إلا  تطبيب لهاته الحضارة من جاهليتها ومن زيغها البين، ومن جهالة بعض جاهلينا الذين يشنون اليوم الحرب على المسلمين ، بل وعلى كل الإسلام .. 
وباسم التسنن الزائف وللأسف..
ولهذا يجب ربط  كل يقظتنا المقبلة بحول الله تعالى بروح الإيمان الحق ، والمتمثل في كل القرآن وكل السنة وكل ما حق من علوم ..
 حتى تكتمل جنة الأرض التي لا تنقصها اليوم سوى القيم الإسلامية السامية..
8
فالإسلام بما يملك من قيم قلبية وروحية وفردية وجماعية ومجتمعاتية ، ومن حقائق علمية وفقهية،  وبما يحث عليه من محافظة عملية  كفيل بأن يمضي بالحضارة القائمة اليوم حتى سدرة المنتهى بحول الله تعالى ..
بل وقادر على أن يعطي للإنسان كل نظارات بصائره التي لم يزدها انحراف الكافر إلا عمى وفسادا وتعاسة ..
بل والإسلام كفيل بأن يعيد للإنسانية كل سعادتها الفكرية والقلبية والروحية لجانب ثرائها المادي الأكيد ..
وتحريرالإنسان من كل  الماديات المتألهة اليوم عليه .
والتي يجب أن تبقى في يده لافي قلبه :
والتي يجب أن تبقى وسيلة عيش .. لا غير ... لا غير .

زبدة القول :

1
ولهذا فإن لخاصية الإنسانية في المذهبية الإسلامية مبادئ مهمة نجملها في :
ـــ مبدأ المآخاة بين كل البشر:  فكلنا من آدم وحواء عليهما السلام ، وكلنا إخوة نسبا ودما  ، كما أن لكل الإنسانية  إله واحد أحد لا شريك له .
ـــ مبدأ التعارف الذي يمليه قوله تعالى : ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) الحجرات13
 مما يِؤكد خاصية التعايش مع غير المسلمين : 
( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها )الأنفال61
ـــ مبدأ خيرية الأمة الإسلامية : الذي تمليه الآية الكريمة:
 (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر) آل عمران 104
ودون هذه الدعوة للخير وهذا الحث على المعروف ودون تطبيب المنكر لا خيرية  لنا كأمة ولا لغيرنا .
ـــ مبدأ التكريم الذي يفيد تكريم الإسلام حتى لغير المسلم كما يمليه قوله تعالى : 
(ولقد كرمنا بني آدم) الإسراء70..
2
والآية عامة .. 
فلا  يهين القرآن إلا من حارب الله ورسله والمومنين،  وسعى للعلو والفساد في الأرض .
فالإنسان بنيان الله ملعون من هدمه ماديا أو معنويا ..
3
ولتحقيق كل هاته الغايات لابد للعاملين في الحقل الإسلامي من الإهتمام ببناء الفكر الإنساني على أسس الإسلام فقهيا وعلميا لا إيديولوجيا كما حالنا اليوم وللأسف. 
ثم تأسيس منظمات وجمعيات خاصة بكل الأعمال الإجتماعية والخيرية والإنسانية والروحية والعلمية التي يدعو لها الإسلام : 
والتي للأسف نرى الكافر قد اهتم بها عالميا أكثر منا ، حتى صارت أدوات حرب بين يديه ، بإسمها يبني، وبإسمها يدمر، بل وعبرها يملي كل أطماعه...في الوقت التي تمنع العديد من دويلاتنا كل مسلم حق عن  ممارساته المدنية،متساهلة مع الجمعيات والحركات الخارقة لنا ولها بكل مكر، وبكل أطماع .. 
والساعية حتما لكل خرابنا على المدى البعيد.
4
ولهذا فإن الخيرية في الإسلام لن تكتمل ما لم تبن على الحق والنية الخالصة ، ودون توظيفنا للمقدس قرآنا وسنة ..ودون بناء الإنسان المكرم ربانيا : 
فالله كرمنا وأمرنا بتكريم كل الناس ما لم يحاربوننا في الدين،  وما لم يسعوا في الأرض فسادا ..
إذ من الواجب علينا محبة الإنسان لذاته كبشر وكأخ من آدم ..
ومهما كرهنا أعماله.
5
ولكن  عبر سنة التدافع الأبدية ..
لأن العمل على المصلحة يدعو لرد كل المفاسد وكل الدرائع التي تحول دون تحقيقها..
فوجب رفع القرآن بكل تعاليمه السمحاء كأدوية لأخينا الإنسان المريض والضال والجاهل ..:فوحدنا نملك دواءه ..
 وإن نجحنا فسننقد العديد من إخوتنا من آدم .. 
ومن تعاسة الدنيا قبل جحيم الآخرة ..
 فكم من ضال وكافر ، بل وكم من  ملحد  يحتاج  اليوم فقط جملة منطقية منا ليومن ..:.
6
فبالإسلام كدواء يجب أن ندخل قلب الحياة الإنسانية لا العيش على الهامش كما تملي خطط أعدائنا وأعداء الإنسانية جمعاء:
 وإن كان التطبيب أحيانا يتطلب  عمليات جراحية دامية : فمن أجل الخير والحق والمكارم الإنسانية العليا : 
وليس دفاعا عنا كمسلمين أو دفاعا عن مصالح بعض جماعاتنا/عصاباتنا الجهادوية، المخترقة اليوم بعصابات الجرائم الدولية وعصابات الأسلحة العالمية:..
فالمسلم الحق لم يكن على مر التاريخ أبدا أنانيا نرجسيا  كما بعضنا ..
 فالعديد من الناس يكرهون الإسلام اليوم بسبب سلوكاتنا الجهولة و، وبسبب جهالاتنا البليدة بل والمبلدة .
7
فالأرض بآلام أخيك الإنسان تستغيث أخي المومن.. 
فلتطببه باسم الرب الشافي العفو الرحمان الرحيم المغيث رب كل الناس ..
فوحدك تملك الدواء : 
لكنك لن تستطيع أن تهدي دواءك إلا إن تشافيت أنت أولا  : (فاستهد تهتدي ثم تهدي أخي المومن) ..ويا كل المسلمين: 
يا من بأيديكم كتاب نزل من فوق عرش الرحمان.. 
كتاب أغلى من كل السماوات والأرض  .. 
8
فيا مسلمين :
الناس عيال الله مرضى وفقراء : 
وقرآننا نعمتهم  ودواؤهم ..
فاهدوا نعم ودواء الله لكل عيال الله الفقراء له ..
وقبلهم نحن وأنتم .. 
فقبلهم نحن في أشد الحاجة له :  
فلماذا نرفض هاته النعم وكل هذا التكريم العظيم ؟..
لماذا نرفض نعم السماء ؟: وكل نعم الإسلام كدواء ؟.
فلا تداوينا ولا داوينا ، بل شقينا وأشقينا .. 
9
فألا نتحمل كمسلمين مسؤوليات كبرى في ما آل له العالم والإنسان ؟
ألسنا مسؤولين عن مجاعات إفريقيا مسؤوليتنا عن باغيات هوليود ؟
ألسنا مسؤولين عن شبابنا وكل الشباب الحائر اليوم بين الحضارات الهاوية ؟.
ألسنا مسؤولين عن أطفال اليوم وشباب كل الغد؟
وإلا فا جوابنا غدا عن قوله تعالى:
 وقفوهم إنهم مسؤولون.؟؟؟الصافات 24